الأحد، 13 مايو 2012

نهاية مرحلة .. و العودة إلى الأسرة

بسم الله الرحمن الرحيم

(لقد خلقنا الإنسان في كبد)

انتهت الأسبوع الماضي فترة من حياتي اعتبرها من أصعب الفترات التي عشتها. لم تكن صعوبتها بسبب مشاكل أو متاعب في حد ذاتها ، و لكن السبب كان أني قضيتها بعيدا عن والدتي و أسرتي و كانوا هم بعيدون عني!

عملت في الرياض لمدة ثمانية أشهر .. كنت أسافر للرياض كل سبت و أعود منها كل أربعاء إلا ما ندر. و مع اني كنت أعمل في وظيفة جيدة و أشارك في عمل وطني هام و استراتيجي .. إلا أني لم أجد لذة للعمل أو العيش في الرياض!

برج المملكة في يوم غائم و لكنه صافي (من الغبار)
برغم من أني تعرفت على مجموعة رائعة من الناس في محيط العمل .. لكن بقيت الوحدة تملأ نفسي
كنت أسكن في فندق جيد و خدمة ممتازة و قريب من موقع العمل .. لكن الشقاء بقي من أكثر أحاسيسي
مجموعة من زملاء العمل خلال زيارة للجنادرية 1433 هـ


كنت أنتظر يوم الأربعاء بفارغ الصبر .. و برغم أن الأسابيع كانت تمر سريعا ، فقد بدى لي و أن الأيام تطول و لست أرى لهذه الفترة نهاية !

لا أنسى أستقبال أسرتي لي كل أربعاء من كل أسبوع و كأني كنت أغيب عنهم الشهور الطويلة .. والدتي على كبر سنها و مرضها كانت تحرص على أن تكون من أوائل المستقبلين لي في منزلي .. أما أبنتي الصغيرة فكانت تستقبلني عند باب المنزل و تقفز في قلبي و كأنها تراني بعد سنوات من الفراق! كنت أرى الفرحة في عيونهم تتكلم بها.
ابنتي سندس

و الأكيد أن شعوري بالغربة قابله شعور بالحنين إلي و الحاجة إلى وجودي بين أسرتي من جميع أفراد الأسرة. لم يكن أحد منهم يبوح به إلا والدتي و أبنتي الصغيرة .. الوالدة لشعور الحنان الذي لا تستطيع كتمانه .. و ابنتي الصغيرة للحاجة لحنان الوالد و الخوف من ابتعاده و الذي كان واضحا في كلماتها كل أسبوع "لماذا لا تعمل في جدة؟" .. "ألا يوجد عمل في جدة مثل الذي تعمل به في الرياض؟" .. "متى ستعود إلى جدة و لا تسافر إلى الرياض؟"  أسئلة تكررت كل أسبوع و كانت اجابتي لها دائما "إن شاء الله سأعود إلى جدة بعد عدة أشهر و نكون سويا دائما". أما بقية الأسرة فقد تكلمت عيونهم و نطقت نظراتهم بما يكفي لأفهم مقدار تألمهم لتلك الفترة و البعد.

و كنت أصبّر نفسي و أسرتي بأن هذه فترة تمر إن شاء الله .. و أن الإنسان خلق في كبد .. و أننا بحمد الله قد استخرنا الله عز و جل قبل أن أقرر العمل في الرياض (و هذه كانت بحمد الله أكبر عامل ساعدني في الصبر على البعد عن اسرتي و صبرهم على ذلك).

تعلمت خلال هذه المدة كيف يكون الإنسان غريبا .. و أحسست بإحساس إخواننا العمال و الموظفين الذين تركوا ديارهم سعيا وراء لقمة العيش. و برغم الفارق بيني و بينهم حيث أني لا زلت أعيش في بلدي و على بعد ساعتين بالطائرة من منزلي ، إلا أني عشت شيئا من حياتهم ، و أحسست ببعض مشاعرهم .. خاصة حين كنت ألتقي أسرتي ، ثم أعود لأتركهم صباحا قبل أن تشرق الشمس و هم نيام متجها إلى المطار لأدرك رحلة الساعة السابعة صباحا.

إن الإنفصال عن الأحباب محنة و منحة .. محنة للطرفين و ألم للجانبين .. و منحة تعرف فيها أنك كنت تعيش في نعمة لم تكن تدركها و لم تحمد الله يوما عليها. أدركت هناك معنى أن تعيش في أسرة و إحساس أن تكون بعيدا عنها .. فهمت أن وجود أحبابك حولك مهم جدا حتى و إن كنت لا تجلس معهم طوال اليوم .. إنه الإحساس بالقرب و نعمة أن تمد يدك فتجد من يمد لك يده بالمقابل .. و يشعر الطرفان بالحنان يملأ المكان.

لم و لن أتكلم علن الجانب العملي و الوظيفي من تلك الفترة .. فقد كان مثل أي عمل أو وظيفة لها ما لها و عليها ما عليها .. لقد كان الفرق بين هذه الفترة و غيرها من فترات حياتي هو الأحاسيس و ما كان في النفس .. نفسي و نفس أحبابي.

أنتهت تلك الفترة بحلوها (و هو كثير و لله الحمد) و مرها و هو ما كدّر ما كان منها حلوا و طول ما كان منها قصيرا.

أخيرا أحمد الله أولا و أخيرا .. فهو الذي أختار و هو الذي قدر و هو الذي يبدئ و يعيد
أما بالنسبة لأسرتي .. فإن أمي لم تزل ترفع الدعوات و تدعو رب الارض و السماوات إلى أن أخبرتها بأني سأعود خلال أسبوع أو أثنين فرأيت دموعها تختبئ خلف فرحتها.
و زوجتي الحبيبة كانت خير سند لي بعد الله عز و جل .. كابدت و حفظتني و حفظت أسرتي بحول الله .. كانت الأب و الأم .. و كتمت عني الحزن و الهم حرصا منها ألا يكدّر علي شيء ..
بناتي كنّ أحرص مني على اللقاء في كل يوم أربعاء .. احتلفن في أول أسبوع عدت من الرياض .. و احتفلن في آخر أسبوع بعد عودتي إليهن
فجزى الله الجميع خيرا و جمعني و أياهم دائما على خير في الدنيا و في الفردوس الأعلى يوم القيامة.

اللهم صلي على محمد و على آله و صحبه و أتباعه و سلم تسليما كثيرا.

الأحد 22 جمادى الآخرة 1433 هـ